كتب : محمود حسين
هي عميدة مراسلي البيت الأبيض، وأول امرأة تتولى منصب رئيس نادي الصحافة الأمريكي، وعاصرت أهم رؤساء أمريكا، ورافقتهم وغطت أنشطتهم، وكانت مع نيكسون في أول رحلة تاريخية للصين عام 1971، والتي رفضت أن ترافق جورج بوش الابن، وأعلنت رفضها لعبارته الشهيرة: ”إنه يحارب في العراق من أجل الله والصليب”، وقالت: ”بل إنها حرب الشيطان وليست حرب الله“.
أنها هيلين توماس، الصحفية الأمريكية المخضرمة صاحبت الضمير الحي، التي ماتت في الثالثة والتسعين، وكانت كما قال تلاميذها في حفل تأبينها: ”أجرأ صحفية في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية“، التي ما كانت لتصمت على جرائم قوات الإحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، لو كانت على قيد الحياة.
إذ كانت معروفة بأرائها الجريئة حتى أنها قالت في محاضرة بنادي الصحافة: ”اليهود يسيطرون على إعلامنا وصحافتنا ويسيطرون على البيت الابيض“، بعد رفض نشر أخر مقالاتها الجريئة في كبريات الصحف الأمريكية.
وأضافت: أنا لن أغير ما حييت مؤمنة به؛ الإسرائيليون يحتلون فلسطين، هذه ليست بلادهم. قولوا لهم: ارجعوا لبلادكم واتركوا فلسطين لأهلها، إنني أرى بوادر حرب عالمية ثالثة، طبخت في مطبخ تل أبيب ووكالة الاستخبارات الأمريكية، والشواهد عديدة، أول خطوة ظهور تنظيمات إرهابية، بدعم أمريكي.
لا تصدقوا أن واشنطن تحارب الإرهابيين، لأنهم دمية في أيدي السي آي إيه.
وأضافت: إنني أرى أن بريطانيا تستحضر روح البريطاني ”مارك سايكس” وفرنسا تستحضر روح الفرنسي ”فرانسوا بيكو” وواشنطن تمهد بأفكارهما الأرض لتقسيم الدول العربية بين الثلاثة، وتأتي روسيا لتحصل على ما تبقى منه.
كما أكدت قائلة: "صدقوني انهم يكذبون عليكم ويقولون إنهم يحاربون الاٍرهاب نيابةً عن العالم وهم صناع هذا الاٍرهاب والإعلام يسوق أكاذيبهم، لأن من يمتلكه هم يهود إسرائيل".
تصريحاتها الجريئة دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى المطالبة بمحاكمتها بتهمة معاداة السامية لكنها رحلت بعد أن قالت الصدق وتلقف كلماتها المخرج العالمي ”مايكل مور” في فيلم تسجيلي، فضح من خلاله بوش الابن وعصابته من أصحاب شركات السلاح من اليمين الأمريكي مثل ”ديك تشيني” و”كوندليزا رايس” وحصل فيلمه الشهير فهرنهايت 11/9 على أكثر من جائزة.
ما يهمنا وسط الأحداث الاخيرة، بدايةً من حادث سقوط الطائرة الروسية التي راح ضحيتها أكثر من مائتي مدني، ثم حادث بيروت الذي خلف عشرات القتلى والجرحى، ثم حادث باريس، مروراً بحوادث في العريش، والعراق، وليبيا، وسوريا، أنّ التنظيمات الإرهابية لا يمكن لها أن تقوم بكل هذا العنف البشع بمفردها، وأن هناك أجهزة استخبارات تدعمها، وتشيطنها لتشعل المنطقة وتدفعها لأتون جحيم لا ينطفئ، فتراهم على حافة الفناء.
والفناء هنا يعني تسليم المنطقة للقوى التي خططت، ودعمت، وأشعلت لإزالة القائم وزحزحة المستقر وإزالة المعترف به، وما يُؤكد هذا، كلام ”جيمس وولسي” رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق الذي قال بوضوح: ”المنطقة العربية لن تعود كما كانت، وستزول دول وتتغير حدود دول موجودة“.
نفس المعنى تقريباً قاله ”مارك رجيف” المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية: ”المنطقة على صفيح ساخن، ونحن لن نسكت، وننسق مع أجهزة الاستخبارات في الدول الكبرى للقضاء على الاٍرهاب، وسوف نتدخل معهم لمحاربة الاٍرهاب حتى لو اندلعت الحروب، لنضمن حماية دولتنا“.
بعد سنوات من رحيلها تحققت نبوءة ”هيلين توماس”، إذ أن تل أبيب وواشنطن خلقت أسطورة التنظيمات الإرهابية في المنطقة التي خرجت من معاملها لتشعل المنطقة والعالم، وتحرك الأنظمة نحو هدف واحد، وإعادة الترسيم وتوزيع النفوذ والغنائم، فماذا أنتم فاعلون؟؟.